فى 8 ذى الحجة من كل عام يأتى يوم التروية، أحد أيام العشر الفاضلة التى أقسم بها الله عز وجل في كتابه الكريم ” و ليال عشر ” ، ” ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله فى أيام معدودات ” ، و العمل فيها أفضل من غيرها، عن رواية ابن عباس رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما العمل في أيام أفضل منها فى هذة ( عشر ذى الحجة )، قالوا : و لا الجهاد ؟ قال : و لا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه و ماله فلم يرجع بشىء ” رواه البخاري، و قد علق أهل العلم فى كون العشر أيام هى أفضل أيام الدنيا لأنها أمهات الأعمال الصالحة و العبادات تجتمع فيها و لا تجتمع فى غيرها ، فهى أيام الكمال فيها الصلاة كما فى غيرها، و الصدقة لمن حال عليه الحول فيها، و الصيام لمن لم يجد الهدى، و الحج إلى البيت الحرام يكون فيها و لا يكون فى غيرها، و فيها الذكر و التلبية و الدعاء و اجتماع العبادات فيها شرف لا يضاهيها فيه غيرها ، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذى الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة و قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر ” رواه الترمذي وابن ماجه .
أعمال الحجاج يوم التروية
استحب للذين أحلوا بعد العمرة، و هم المتمتعون أو من فسخوا إحرامهم إلى عمرة من القارنين و المفردين، أن يحرموا بالحج ضحى من مساكنهم، و كذلك من أراد الحج من أهل مكة، أما القارن و المفرد الذين فلم يحلوا من إحرامهم فهم باقون على إحرامهم الأول، لقول جابر رضى الله عنه فى صفة حج الرسول صلى الله عليه وسلم : ” فحل الناس كلهم و قصروا إلا النبى و من كان معه هدى ، فلما كان يوم التروية ، توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ” رواه مسلم، و قال ابن تيمية رحمه الله ( شيخ الإسلام ) : ” فإذا كان يوم التروية أحرم و أهل بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، و إن شاء أحرم من مكة، و إن شاء من خارج مكة و هذا هو الصواب، و أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أحرموا كما أمرهم من البطحاء و السنة أن يحرم من الموضع الذى هو نازل فيه و أيضا المكى يحرم من أهله .
يفضل للمحرمين الاغتسال و التنظيف و التطيب و أن يفعلوا مثلما فعلوا فى الميقات و ينوى الحج بقلب، و يلبى قائلا : ( لبيك حجا ) و إن خاف من عائق يمنعه من إتمام الحج يشترط ، و يقول : ( فإن حبسنى حابس فمحلى حيث حبستنى )، و إذا كان حاجا عن غيره نوى بقلبه الحج عن غيره، ثم قال : ( لبيك حجا عن فلان أو عن فلانة ) ثم يستمر فى التلبية ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ، لبيك إله الحق ) .
ثم يستحسن التوجه إلى منى ضحى اليوم الثامن قبل الزوال و الإكثار من التلبية، ثم يصلى بمنى الظهر و العصر و المغرب و العشاء و فجر التاسع قصرا بدون جمع، إلا المغرب و الفجر فلا يقصران، و يقصر الحجاج من أهل مكة الصلاة بمنى، فلا فرق بينهم و بين باقى الحجاج، لأن النبى صلى الله عليه وسلم، صلى بالناس من أهل مكة و غيرهم و لم يأمرهم بالإتمام ، و لو كان واجبا عليهم لبينه لهم، ثم يفضل أن يبيت الحجاج بمنى ليلة عرفة، فإذا صلى فجر اليوم التاسع مكث حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت سار من منى إلى عرفات ملبيا مكبرا، و كل هذا يفعله الحجاج تأسيا و سنة بالرسول و ليس واجبا، فلو قدم إلى يوم عرفة التاسع مباشرة جاز، لكن لابد أن يقف بعرفة محرما، سواء إحرم يوم الثامن أو قبله أو بعده، و كذلك الإحرام يوم التروية ليس واجبا، فيجوز الإحرام قبله أو بعده، و هذا المبيت بمنى ليلة التاسع و أداء الصلوات الخمس فيها سنة و ليس واجبا .
رأى الفقه فى الصوم للحجاج
و ذهب جمهور أهل الفقه، إلى أن الصوم للحجاج مكروه، وفقا لما روت أم فضل بنت الحارث رضى الله عنها، عندما أرسلت للرسول صلى الله عليه وسلم قدح لبن و هو واقف على بعبره بعرفه فشرب، و ارجعت دار الإفتاء ذلك، إلى أن الصوم قد يضعف الحاج فلا يستطيع أن يقف و يدعم الله لذلك من الأفضل أن يترك الصيام .
فضل يوم التروية لغير الحجاج
و يوم التروية لغير الحاج، هو من الأيام المباركة التى تسبق يوم عرفة و له عظيم الأجر والثواب و العمل فيه من أفضل العبادات عند الله، فيفضل الإكثار من الذكر و الاستغفار و الدعاء و الصلاة و الصدقة، و هو يوم الكغفرة و العتق من النيران .
سبب تسمية يوم التروية بهذا الاسم
و تتعدد الأسباب وراء تسمية هذا اليوم بالتروية، ووفقا لدار الإفتاء، فإن الحجاج كانوا يتزودون بالماء قديما لأن تلك الأماكن لم يكن بها ماء، فكانوا يترون من الماء إليها و كانت أعمال التروية تكون قبل يوم التروية و بعد عرفة استعدادا لمناسك الحج، حيث الحجاج يرون فيه من الماء من أجل الأيام بعده، و رأى آخر وراء التسمية، لحدوث الرؤيا فيه من سيدنا إبراهيم فى ذبح ولده إسماعيل عليهما السلام .