فالأستاذ الذي كان قريبا من دوائر صنع القرار، وكان شاهدًا على الأحداث بل تستطيع أن تعتبره مشاركا في صنع بعض القرارات المهمة والخطيرة لذا تظل كتبه التي قدمها للمكتبة العربية شاهدة على عصر كامل وهى الأقرب إلى الحقيقة بشكل من الأشكال.
. كتاب السلاح والسياسة
ومنها كتابه «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» الذي يتناول فيه اللحظات الحرجة سياسيا وعسكريا من لحظة وفاة عبدالناصر وتولى السادات المهام الجسيمة للتحضير لمعركة الحسم. كما يتناول الكتاب بالوثائق كواليس السياسة الخفية لإحلال السلام قدر المستطاع، بدون اللجوء للحرب، بالإضافة إلى المشاكل مع الاتحاد السوفيتى.
يحكى الأستاذ في مقدمة الكتاب أنه حصل على بعض هذه الوثائق من الرئيس الراحل محمد أنور السادات في أعقاب الواقعة الشهيرة والمعروفة بمراكز القوى، وبعضها عثر عليها بطريقة أو بأخرى وهى عبارة عن مراسلات دارت بين الرئيس السادات ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية هنرى كيسنجر خلال عام كامل، وهو عام ٧٣ الذي شهد حرب أكتوبر. ويسرد هيكل في كتابه بعض التفاصيل عن هذه الأيام.
.تفاصيل بداية يوم النصر العظيم
في صباح 6 أكتوبر عرف الرئيس السادات أن إسرائيل قد «عرفت» بنية مصر للحرب، وكان واضحًا بالنسبة له أنه حقق سبقًا على الأرض. ولكن الخطر الأكبر خلال الساعات القادمة، وحتى ساعة الصفر هو أن ينقض من الجو على شكل محاولة ضربة إجهاض يقوم بها سلاح الطيران الإسرائيلى.. وكان هذا الهاجس همًا ثقيلًا على فكره وأعصابه- ولم يكن يعرف أن هذا الاحتمال قد استبعد، وأن هذه الضربة الجوية الوقائية لن تقع، لأن مجرى الحوادث- في هذه الساعات- كان يتخذ مسارًا آخر في تل أبيب وفى واشنطن. فيما بين الساعة الثامنة وحتى الساعة العاشرة إلا الربع من صباح يوم السبت 6 أكتوبر- كان الرئيس «السادات» في قصر الطاهرة وليس في رأسه إلا سؤال واحد: هل توجه إسرائيل ضربة إجهاض بالطيران ضد الجبهة المصرية قبل الموعد المقرر لبدء الهجوم بقصد تشتيت وبعثرة صفوفه؟ في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم السبت 6 أكتوبر وصل الرئيس «أنور السادات» إلى المركز رقم «10»- مقر القيادة الرئيسى للعمليات. وقد توجه فور وصوله ومعه الفريق أول «أحمد إسماعيل على» إلى مكتب القائد العام- وهناك قضى بضع دقائق ألقى فيها نظرة على خرائط التخطيط.
وها هنا أصبحت الساعة الثانية بعد الظهر كانت الأنظار في القاعة كلها موجه أنظارها إلى الجزء الخاص بالقوات الجوية .
وكانت الإشارات قد وصلت بأن قوات الضربة الجوية الأولى، وقوامها أكثر من مائتا طائرة، قد حلقت على ارتفاع منخفض فوق قناة السويس على هدف تنفيذ المهمة الأولى في العملية. وفى الساعة الرابعة والنصف من تلك اليوم العظيم كان حجم القوات المصرية على الضفة الشرقية قد وصل إلى ما بين 1500 ضابط و22000 جندى.
وأضاف هيكل في كتابه: عندما جاء منتصف الليل تمامًا كانت هناك ما يقرب من خمس فرق كاملة من المشاة والمدرعات على الضفة الشرقية لقناة السويس، وكانت أغلب مواقع خط بارليف الحصينة والقوى قد حوصرت من كل جانب، ونصفها تم اقتحامه.
.اطمأنان السادات بنجاح الخطة وتنفيذها بسلام
وقد أصبح الرئيس «السادات» في الساعة السابعة تمامًا، ومعه كل من أتاحت ظروفهم أن يتواجدوا في هذه القاعة المجيدة- في حالة من النشوة لا تكاد تصدق وتعقل . وقد أطمئنوا جميعًا أن أخطر عملية في الحرب كانوا يتحسبون لخسائرها قد تمت بنجاح فاق خيالهم. وفى الساعة السابعة مساء، كان الرئيس «أنور السادات» قد اطمأن بأكثر مما أتاه في أوسع أحلامه ، إلى أن هناك شيئًا عظيمًا تم تحقيقه.
تهنئة الرئيس السادات من رئساء العالم بالنصر العظيم
وفي قصر الطاهرة وصلت هناك العديد من المكالمات التليفونية من كثيرين في العالم العربى وصل إليهم أنباء ما حدث، وأرادوا أن يتصلوا به لتهنئة ولتبريكا، وقد أستقبل الرئيس «السادات» بنفسه بعضها. وفى الساعة الثامنة مساء كان «محمد حسنين هيكل» في قصر الطاهرة لموعده مع الرئيس «أنور السادات»، وقد لفت أنتباه عند دخوله إلى الصالون الذي كان يجلس فيه الرئيس «أنور السادات» ويتلقى منه ما يختار من الاتصالات التليفونية- أنه يوجد هناك مجموعات عديدة من رجال الإذاعة و التليفزيون بميكروفوناتهم وعدساتهم وسماعاتهم . وعندما دخل «هيكل» على الرئيس «السادات» كان باديًا أن موجة من الفرح تتراقص بصالون القصر كله.
حوار هيكل مع الرئيس السادات
وعندما أُتيح ل «هيكل» أن يسأل عن المزيد من التفصيلات- فإن الرئيس «السادات» كان له مطلب عاجل وسريع، هو إعداد «كلمة قصيرة» ولو من عشرة سطور تخبر الناس تحمل مضمونًا في معناه «أن حرب الساعات الست قد تحققت». ولكن هيكل أظهر بعدم أهمية ذلك الآن.
وأثناء ليلة 6-7 أكتوبر، كان «أنور السادات» في لحظة فاصلة وفارقة من حياته شكلت- على وجه القطع- مفترق طرق. قبلها كان واحدًا من زعماء العالم العربى مثل غيره من الكثيرين ولكن أصبح بعدها نجمًا يلمع في آفق عالٍ وشاهق في السماء . وقبلها فإن رجلًا مثل «هنرى كيسنجر»- كان يتهرب منه ويصفه بأنه «بهلوان سياسى»- وبعدها فإن لم يعد في مقدور أحد- بمن فيهم «هنرى كيسنجر»- إلا أن يعترف له بأنه «داهية سياسى».
وكان من قبلها لم يكن في تاريخ العرب الحديث انتصار عسكرى واضح وصريح ولكن بعدها فإنه سُجل في تاريخ العرب نصرًا عسكريًا عظيمًا على أعلى مستوى لم يكن ينتظره أحد. وإنما كان شاغله ما يراه أمام عينيه: فأستطاعوا أن يتموا العبور العظيم- وهو الآخر عبر من مكان إلى مكان، ومن ضفة إلى ضفة، ومن حال إلى حال.